فلسفة التاريخ اإلمام السيد محمد الحسيني الشيرازي أعلى الله مقامه

Transcription

1 A

2 فلسفة التاريخ اإلمام السيد محمد الحسيني الشيرازي أعلى الله مقامه

3 اسم املؤلف: اإلمام السيد محمد احلسيني الشيرازي أعلى الله مقامه عنوان الكتاب: فلسفة التاريخ الناشر: مؤسسة الوعي للطباعة والترجمة والنشر الناشر اإللكتروني: مؤسسة املستقبل للثقافة واإلعالم الطبعة الثانية: 2006 م احلقوق محفوظة تصميم الصفحات: مناف البغدادي المستقبل للثقافة واإلعالم Author: Ayatollah Sayed Mohammed Al-Shirazi Title: Falsafat Al-Tarikh Publisher: Al-Waee Electronic Publishe by: Al-Mostaqbal For Media &Culture Second Edition: year 2006 Copyright Designed by: Manaf Al-Baghdadi / mananfsh@gawab.com

4 المحتويات مقدمة الناشر/ 13 مقدمة المؤلف/ 17 المدخل/ 20 عالقة الفقه بالتاريخ/ 20 الفرق بين علم التاريخ وفلسفته/ 25 عالقة التاريخ باألخالق/ 28 االستقراء/ 32 أدوار التاريخ/ 36 كالم فولتير ورد ه/ 38 الدراسة الموضوعية للتاريخ/ 40 التحليل الدقيق للتاريخ/ 43 مناقشات في أدوار التاريخ/ 46 أقوال وردود/ 47 الفلسفة العقلية ومعرفة التاريخ/ 49 التاريخ دين ال سياسة/ 55 التجرد الموضوعي/ 61 تركيب وصياغة المادة التاريخية/ 62 المقارنة بين العلوم الطبيعية والتاريخ/ 65 استيعاب المفردات/ 67

5 مهم ة المؤر خ/ 71 المنهج الماد ي في دراسة العلوم/ 74 دور القيم والمشخص/ 77 عالقة الوجدان االجتماعي باهلل سبحانه/ 79 متطل بات الباحث في فلسفة التاريخ/ 82 الدراسة التاريخية تجربة حدسية/ 85 التجر د من األهواء في دراسة التاريخ/ 87 اختالف المقتضي/ 90 الصدق والكذب في التوريخ/ 92 مثالية الفكر والواقع/ 94 اإلدراك وعالقته بالواقع/ 94 فلسفة التاريخ وفلسفة الواقع/ 97 الفرق بين التاريخ الصحيح والمزي ف/ 101 أمثلة وشواهد/ 103 رأي وتعليق/ 105 كيفية استنباط السنن التاريخية/ 109 األسباب والمسببات/ 111 التعليل الظاهري والباطني/ 113 فلسفة التاريخ والحتمية التاريخية/ 115 حركة التاريخ أمر بين أمرين/ 116 االط راد السكاني والمؤسسات/ 120 األمور الضرورية للمؤر خ/ 123 الفطرة والعقل/ 131 8

6 9 أقسام اإلدراكات/ 132 روح التاريخ/ 134 من يصنع التاريخ / 142 أقسام االختيار/ 143 معنى البطولة/ 144 الديكتاتور والبطولة/ 145 األنبياء صناع التاريخ/ 156 الماد يون وحركة التاريخ/ 156 تكاملية حركة التأريخ/ 159 مونتسكيو وفلسفة الحضارة/ 162 مسؤولية اإلنسان/ 166 شبهة اآلكل والمأكول/ 167 الجبر واالختيار وعالقتهما بالتاريخ/ 172 حركة التاريخ بحرية الفرد/ 177 النظام بين االستشارية واالستبداد/ 181 بعض المآخذ على الرأسمالية/ 187 بعض المآخذ على نتائج الديمقراطية/ 188 الهجرة ومسيرة التكامل/ 194 مجاالت الحياة/ 200 منطق القوة أم منطق الحقيقة/ 204 عصور التخلف/ 211 علينا أن نمنع الغرب من السقوط/ 216 إمداد اهلل لإلنسان/ 221

7 العطاء حسب االقتضاء/ 222 الشكر سمة طال ب اآلخرة/ 224 لئن شكرتم ألزيدنكم/ 228 مقومات الحضارات/ 231 القيم أوال/ 235 معايير حركة التاريخ /236 مالك المؤرخ /240 العلة التاريخية والعلة الفلسفية/ 244 السيطرة على التاريخ/ 250 السيطرة على التاريخ/ 253 معرفة األسباب/ 261 السنن اإللهية هي األسباب الجامعة/ 270 سنن اهلل تعالى/ 271 السنن الدنيوية/ 273 أقسام السنن االجتماعية/ 274 سنة بعث األنبياء/ 276 االبتالء في الدنيا/ 280 حتى استيأس الرسل/ 281 االمتحان سنة شاملة/ 286 التاريخ ارتداد مستقبلي/ 291 حقيقة الش رور وموضوعيتها/ 292 الالعقالنية في أن الغاية تبرر الوسيلة/ 294 المصالح الحقيقية هي األساس/

8 11 انتصار الحق على الباطل/ 296 س نة انتصار أهل الحق/ 303 حتمية استئصال الباطل/ 316 تعدد العنوان ووحدة المعنون/ 322 اإلنسان يتحم ل تبعات أعماله/ 324 حكم التاريخ/ 328 األحكام التاريخية في محكمة التاريخ/ 330 إشكال وجواب/ 332 التاريخ بين الرحمة والالرحمة /334 محاكمة الديكتاتور ومؤازريه في التاريخ/ 336 الشهادة على التاريخ/ 339 ماركس ونظرية التغيير المادي للتاريخ/ 340 مقارنات نظمية/ 345 موجز عن الحضارات/ 349 الديانة الهندوكية/ 349 الطائفة السيخية/ 354 الديانة البوذية/ 356 الديانة الكونفوشيوسية/ 358 الديانة المجوسية/ 360

9 مقدمة الناشر 13 بسم اهلل الرحمن الرحيم التاريخ نهر جار ال يفتر في تدفقه... فمنذ أن عاش اإلنسان على األرض سواء كان في الغابة على رأي البعض أو جن ة األرض على رأي آخر ولم يختلف الرأيان.. منذ ذلك الوقت والتاريخ يتدف ق كسيل من األحداث المتعاقبة. وكما مياه األنهار تتغي ر بين حين وآخر كذلك التاريخ فهو يختلف في شكل حركته وتدفقه فمر ة ينهمر كالشالل عندما تكون هناك أحداث عظيمة مثال وقوع البعثة النبوية وما تعق بها من األحداث فالتاريخ انهمر في ذلك الوقت كالشالل. وعندما يكون التاريخ كالشالل يكتسح كل شيء. وهو ال يبقى هكذا حتى النهاية حيث تبدأ سرعته بالهبوط شيئ ا فشيئ ا عندما تنخفض األرض وتنتهي الروابي وكذلك التاريخ عندما تجف المبادئ ويتحو ل اإليمان إلى أهواء يهبط التاريخ كما األرض المنخفضة. لكن بمجر د أن تتغي ر تضاريس األرض وتبدأ األرض باالرتفاع ثم باالنخفاض ترى يعود النهر إلى تدفقه السريع بعد فتور قاتل. هذا هو حال التاريخ فلو تناولنا تاريخ أي شعب من الشعوب لوجدنا أن هذه الحقيقة صادقة عليه. فالشعوب التي تعيش المبادئ وتضح ي بأرواحها من أجل أهدافها الكبيرة تصبح كالشالل المتدف ق وبمجر د أن تفتر

10 هذه الحيوية في النفوس تفتر حركة المياه المتدفقة. وقد عانت األم ة اإلسلالمية في فترة من حياتها من مشكلة الركود عندما تخل ت عن رسالتها اإلسالمية السمحة وتمس كت بأهداب الخرافة وبحبال األهواء وكان نتيجة ذلك أن زحف الموت البطيء إليها.. فقد شهدت القرون )7 9 ه) 8 حالة من الركود القاتل الذي حو ل النهار إلى ليل واالنتصار إلى هزيمة وهي الفترة التي تعر ض فيها العالم اإلسلالمي إلى هجمات المغول الذين دم روا الحضارة اإلسلالمية وحطموا المدنية في البالد اإلسلالمية ولم يكن ذلك إال نتيجة عوامل داخلية فقد تسل ل الخمول إلى أوصال األم ة األمر الذي جعلها غير قادرة على مقاومة الزحف المغولي وكما نشاهد مياه األنهار صافية براقة عند المرتفعات وعند األرض الصخرية كذلك التاريخ يصبح صافي ا شف اف ا بر اق ا مشع ا عندما ينحدر فوق أكتاف الرجال الصامدين الذين يقاومون اإلغراءات واألهواء كالصخور الصلبة التي تقاوم منحدرات المياه. وبمجر د أن تصل المياه إلى المناطق الرملية تتحو ل إلى مياه ملو ثة غامقة ال يمكن مشاهدة قاع النهر من خاللها والمشكلة أن هذه المياه ستحمل معها الرمال والتراب األمر الذي سيؤث ر على حركتها وسرعتها. وكم من األنهار العظيمة تنتهي إلى جداول ضي قة فاترة ال تحس بوجودها وهكذا التاريخ عندما يصل إلى األمم الضعيفة التي تشابه الرمال واألتربة واألوساخ التي تعرقل سير تدفق المياه. وهذا ما نقرأه على صفحات تاريخنا فعندما انتكس اإلنسان المسلم وتحو ل إلى كتلة من األهواء والشهوات بعد أن كان كتلة من التضحيات واالستعدادات عند ذلك ينهار التاريخ أيض ا بانهيار اإلنسان المسلم فازدادت الترسبات على طرفي التاريخ فظهرت الصوفية واألفكار القدرية 14

11 15 التي حاولت أن تبر ر واقع المسلمين وتوجد لهم بديال للهروب مم ا هم عليه. وكما تنقل األنهار األتربة من أماكنها إلى أماكن أخرى نقل لنا التاريخ الكثير من تلك األفكار التبريرية والتصو رات الصوفية التي انتشرت في القرون المظلمة. وكما تعمل هذه األتربة كسد يمنع تدفق المياه كذلك هذه األفكار التخديرية تعمل كسد بوجه تدفق التاريخ والحضارة اإلنسانية. إن دراسة التاريخ ال تختلف عن دراسة األنهار.. فالجغرافيا هي الوسيلة لمعرفة طبيعة األنهار وكيفية تدفقها.. أم ا التاريخ فوسيلته الفلسفة ففلسفة التاريخ هي دراسة تضاريس التاريخ متى ينحدر ومتى يتدف ق ومتى يتوق ف متى يسيل ومتى يت سع. وقد عني علماء الغرب كثير ا لدراسة هذا العلم ووضعوا له قواعد وأصوال نذكر من بينهم فيلسوف التاريخ توينبي وقديم ا اهتم المسلمون بهذا العلم وقد تخص ص فيه علماء كبار كمسكويه وابن خلدون وابن أبي الربيع والطقطقي وغيرهم أم ا اليوم فال نجد بحوث ا في هذا المجال إال النزر القليل بالرغم من أهم يته في مجال التوجيه وصياغة األفكار ونشرها وبالرغم من دوره في خوض الصراع العقائدي وفي بناء الحضارات. وقد قام اإلمام الشيرازي ضمن اهتماماته بما تركه المسلمون من األبحاث والعلوم قام بوضع هذه الدراسة المهم ة عن فلسفة التاريخ ودور التاريخ في تأسيس العلوم الدينية وهي تعد أو ل مبادرة من قبل علمائنا المعاصرين. تكمن أهم ية هذا البحث إن ه يأتي ضمن مرحلة حس اسة من تاريخ

12 األمة اإلسالمية حيث االستعدادات جارية للتحو ل من واقع إلى واقع آخر فكان البد من إضاءة شمعة تكشف للسائرين في طريق التغيير معالم الطريق الذي يمشون فيه. والكتاب الحالي الذي كتبه المرجع الديني األعلى الس يد محمد الشيرازي هو من هذا القبيل فقد تضمن أبحاث ا حس اسة ترتبط بمستقبل األم ة وتتعل ق بأمانيها في الحياة الكريمة. وقد حرصنا على تقديم الكتاب بصورة أنيقة نرجو أن ينتفع به العلماء والمثق فون وأن ننتفع جميع ا باألفكار الني رة والرؤى الثاقبة لإلمام الشيرازي راجين من العلي القدير أن يحشره مع أجداده الطاهرين إن ه نعم المولى ونعم النصير. مؤسسة الوعي اإلسالمي 16

13 مقدمة المؤلف 17 بسم اهلل الرحمن الرحيم الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على محم د وآله الطي بين الطاهرين واللعنة على أعدائهم إلى قيام يوم الدين. كما أن األشجار بأجمعها لها واقع مشترك وإن كانت مختلفة في الحجم والشكل واللون والثمر وباصطالح المنطقيين لها جنس واحد وفصول مختلفة كما ولها أعراض مختلفة خاص ة أو عام ة وكذلك بالنسبة إلى األنواع األخرى وهكذا الحيوان وسائر المخلوقات سواء النباتية منها أو الحيوانية وحت ى اإلنسان والمالئكة والجن والشياطين ) لها جامع واحد كذلك األمر بالنسبة إلى المجرات والكواكب وما أشبه ذلك. كذا األمر بالنسبة إلى أحداث التاريخ فكل الحضارات والبداوات لها جامع مشترك من ناحية. وفي نطاق الحضارات هناك جامع مشترك لجميع الحضارات وكذلك البداوات لها جامع مشترك وإن ما األشكال والصور والخصوصيات والمزايا تختلف اختالف ا نوعي ا أو فصلي ا أو نحو ذلك وحالها حال األمواج التي تتقاذف في البحر فلها واقع واحد وتكوين مشترك هو الماء. ومفهومنا لفلسفة التاريخ والذي يدور حوله البحث في هذا الكتاب الشيطان قسم من الجن حسب منطوق اآلية الكريمة: كان من الجن ففسق عن أمر رب ه سورة الكهف: اآلية 50.

14 هو القاسم المشترك الذي يجمع األحداث التاريخية ويضعها أمام بصيرة اإلنسان. وفائدة دراسة فلسفة التاريخ والتعم ق فيها هي المعرفة فإن العلم والمعرفة مطلوبان بذاتهما ألن هما يسب بان لذ ة روحية واإلنسان بطبيعته مي ال إلى اللذ ة نف ار من األلم جسمي ا كان أو روحي ا والمراد بالروح هنا األعم من النفس حيث عندنا جسم ونفس وروح على ما ذكرنا تفصيله في بعض الكتب. والفرق بينهما أن المعرفة يقال لما سبق العلم به ولذا قال سبحانه وتعالى في قص ة يوسف }فع ر فه م و ه م له م ن ك ر ون { ) حيث كانت معرفته سابقة للعلم وفي الحديث: )عرفت اهلل سبحانه وتعالى بفسخ العزائم وحل العقود ونقض الهمم( ) حيث سابق العلم المعرفة بالنسبة إلى موضوع األخوة وبالنسبة إلى اهلل سبحانه وتعالى بينما العلم ال يدل على ذلك ولذا ال يصح أن يقال فعلمهم إلى غير ذلك من الشواهد التي ال مجال لذكرها هنا. 18 أضف إلى ذلك فإن العلم بالجامع ينتج معرفة اإلنسان بأسباب سقوط وقيام الحضارات والدول فمثال سنتعر ف على أسباب سقوط بني أمي ة وسقوط روسيا القيصرية ثم روسيا الشيوعية وهكذا بالنسبة إلى أسباب االنتصار والنجاح فلماذا نجح ذو القرنين ونجح الرسول األعظم )ص( ونجح األئم ة الطاهرون)ع(. ومثل هذه المعرفة تفيدنا في تجن ب األسباب الداعية إلى السقوط واألخذ بأسباب النجاح لذا نجد في القرآن الكريم وصف ا دقيق ا لذي القرنين }ثم ات بع سبب ا{ ) فالدنيا هي محيط األسباب واألسباب تنتهي إلى سورة يوسف: اآلية نهج البالغة قصار الحكم: 250 متشابه القران: ج 1 ص 46 غرر الحكم ودرر الكلم: ص 81 شرح نهج البالغة البن أبي الحديد: ج 19 ص 84 ب 247. سورة الكهف: اآليتان

15 19 المسب بات ولذا قال سبحانه وتعالى: }فسيروا في األرض{ ) وقال اإلمام علي)ع(: )وسر في ديارهم واعتبر آثارهم( ) فإن من يسير في األرض أو في الديار سيعرف لماذا سقطت هذه األم ة وكيف نجحت تلك األم ة وسيعرف أسباب عز تها وأسباب ذل تها فالجامع الواحد يعطي أثر ا واحد ا حسن ا في الجامع الحسن وأثر ا سيئ ا في الجامع السيئ حيث إن الواحد في الطبيعيات ال يصدر منه إال الواحد كما ال يصدر إال من الواحد على القاعدة الفلسفية المذكورة في الحكمة وقد ذكرنا ذلك في األصول بالتفصيل ) والمراد بالواحد الواحد من جميع الجهات في الطبيعيات أما اهلل فهو واحد في ذاته وصفاته الذاتية أما إرادته فهي متعددة }إ ن م ا أ م ر ه إ ذ ا أ ر اد ش ي ئ ا أ ن ي ق ول ل ه ك ن ف ي ك ون { ) و }ي م ح وا اهلل م ا ي ش اء و ي ث ب ت } ) ولذا تنو ع خلقه وإن ما جعل اهلل سبحانه وتعالى األمر كذلك ليستقيم العلم وإال لزم على اإلنسان أن يجر ب كل واحد من األشياء فإن األشياء إذا لم يكن لها جامع فال يمكننا أن نستدل على أن الماء من طبيعته البرودة وأن النار من طبيعتها الحرارة إذ لوال الجامع كيف نستطيع أن نستخلص هذه القاعدة المشتركة. وهذا بحث فلسفي ال نطيل الكالم حوله وقد أوردنا البحث فيه في التفسير الموضوعي ) نسأل اهلل سبحانه وتعالى أن يوف قنا لذلك فهو خير من يوف ق وهو أفضل رفيق وهو المستعان والمسد د. محمد الشيرازي سورة آل عمران: اآلية بحار األنوار: ج 77 ص 202 ح 1 ب 8 وفي نهج البالغة الكتاب 31 وكتاب شرح نهج البالغة البن أبي الحديد ج 16 ص 62 ح 31 : وسر في ديارهم وآثارهم فيما فعلوا وكما انتقلوا وأين حلوا وأين نزلوا. انظر كتاب األصول مباحث األلفاظ لإلمام المؤلف. 4 سورة يس: اآلية سورة الرعد: اآلية وهو كتاب خطي لم يتسن له النور.

16 المدخل عالقة الفقه بالتاريخ األحداث قبل أن تقع.. هي بانتظار اللحظة التي ستقع فيها ولحظة وقوعها تدخل في مكونات الحاضر وعندما يمر زمان على وقوعها تصبح شيئ ا من الماضي وهذا هو التاريخ. تصدق هذه الحقيقة على كل شيء باستثناء اهلل سبحانه وتعالى حيث ال يشتمل عليه الزمان كما قرر في علمي الفلسفة والكالم وكذلك المجردات على بعض األقوال. ولما كان الفقه شيئ ا من األشياء فارتباطه بالتاريخ ) ارتباط وثيق 20 البد أن نذكر تعريف التاريخ لغة واصطالحا حتى يتسنى للقارئ أن يلم ببعض المعرفة عن ذلك. فالتاريخ لغة هو معرفة الوقت أو اإلعالم بالوقت. قال الجوهري في صحاحه: ج 1 ص 418 ما لفظه: التاريخ تعريف الوقت والتوريخ مثله يقال: أرخت وورخت. وقال األصمعي في اإلعالن بالتوبيخ ص 6 : هو اإلعالم بين اللغتين فقال: بنو تميم يقولون ور خت الكتاب توريخا. وقيس تقول: أر خته تأريخا. والتاريخ اصطالحا كما عن ابن خلدون في مقدمته ص 6 طبعة دار الفكر: التاريخ في ظاهره ال يزيد على أخبار عن األيام والدول والسوابق من القرون األول تنمو فيها األقوال وتضرب فيها األمثال وتطرف بها األندية إذا غص ها االحتفال وتؤدي لنا شأن الخليقة كيف تقلبت بها األحوال واتسع للدول فيها النطاق والمجال وعم روا األرض حتى نادى بهم االرتحال وحان منهم الزوال وفي باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومباديها دقيق وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق وجدير بأن يعد في علومها وخليق. وعر فه المقريزي اصطالحا : اإلخبار عم ا حدث في العالم في الزمان الماضي. وعر فه ثالث: علم يبحث فيه عن الزمان وأحواله وعن أحوال ما يتعلق به من حيث تعيين ذلك وتوقيته. وعر فه رابع: إنه تفسير للحوادث واالهتداء إلى الروابط الظاهرة والخفية التي تجمع بين شتاتها وتجعل منها وحدة متماسكة الحلقات متفاعلة الجزئيات ممتدة مع الزمن والبيئة امتداد الكائن الحي في الزمان والمكان. وعر فه خامس: إنه علم نظري إنساني يبحث فيه عن حوادث الزمان من حيث التعيين والتوقيت والتفسير والتعليل. وعر فه سادس: عبارة عن مجموعة حوادث ناتجة عن فعاليات البشر. وعر فه سابع: العلم باألحداث واألوضاع وأحوال البشر الكائنة في الزمن الماضي. وعر فه ثامن: العلم بالقواعد والسنن المهيمنة على الحياة الماضية. والتاريخ عند اإلمام المؤلف عبارة عن مفردات من األحداث مترابطة بزمان خاص ومكان خاص وفرد خاص. واختلفوا في أصل كلمة التأريخ هل هي عربية أو معربة فبعض قالوا: إنها عربية كاألصمعي وبعض قالوا: إنها فارسية مأخوذة من ماه روز وثالث: إنها سريانية ومعناها الشهر.

17 21 ال انقطاع له فالفقه اإلسالمي لم يكن ثم وجد ثم مر عليه الزمن ال بمعنى انعدامه كانعدام اإلنسان والحيوان بل بمعنى مرور الزمان عليه. مثلال : فقه اإلمام الصادق)ع( تكو ن عندما قال اإلمام)ع( تلك األقوال وبي ن تلك األحكام فأصبح قوله وفعله وتقريره)ع( فقه ا ) وعندما رحل اإلمام)ع( إلى الرفيق األعلى ومر على هذا الفقه زمن طويل أصبح ذلك الفقه تاريخ ا وتاريخ ا بالمعنى الفلسفي للكلمة ال بالمعنى العرفي لها أي ليس بمعنى انقضاء العمل به بل يؤخذ به إلى قيام الساعة ألن ه حقيقة يريدها اهلل سبحانه وتعالى للبشر حتى انقضاء أجلهم المكتوب لهم على هذه األرض. فعالقة الفقه بالتاريخ أنه جزئي من جزئياته لكن ه جزئي معنوي كسائر المعنويات وليس جزئي ا مادي ا كالمواليد الثالثة ) لوضوح أن التاريخ ومرور الزمان ينطبق على كليهما ). فتطور الفقه تطور تكاملي فكل فقيه يأتي بما يكمل ما قد م الفقيه الذي قبله وهكذا دواليك فتطو ر الفقه هو إلى األعلى وليس إلى االنحدار كما هو أثر الزمن على األشياء. وهناك عالقة أخرى بين الفقه والتاريخ غير تلك العالقة التي ذكرناها وهذا هو مقصود حديثنا ونحن نبي ن هذه العالقة بضرب المثال التالي: لقد مر تحريم الخمر بمراحل عديدة كذلك مر ت الصالة بمراحل عديدة من حيث جواز التكلم أثناءها أو عدمه وهذه األدوار لم تقر من قبل الشارع جهال منه ثم تداركه لهذا الجهل بل رحمة للناس فالناس ال يتحملون األمور الصعبة مرة واحدة فالبد من التمهيد لخلق االستعداد هذا في مرحلة اإلثبات كما ال يخفى وإن كان في مرحلة الثبوت: إن ما قاله األئمة األطهارع فهو مستقى عبر رسول اهلل ص من الوحي. 2 الحيوان والنبات والجماد. المعنوي والمادي.

18 الكافي لتلقي الواجب فرب ما يكمل الفاعل وربما يكمل القابل كما ذكروا في مباحث الفلسفة. فعالقة التاريخ بالفقه تبدو على نحوين كما ذكرنا: األول: تطو ر الفقه على مرور الزمان وهذا هو علم من العلوم ونستطيع أن نسم يه بتاريخ التشريع اإلسالمي أو تاريخ الفقه اإلسالمي ). والعلم بالشيء خير من الجهل به. الثاني: وقوع الفقه ضمن ظروف واقعية ) حيث شرعت األحكام وفق الظروف الموضوعية لحياة الناس في ذلك الزمان فمعرفة هذه العالقة بين التشريع والواقع أو الفقه والتأريخ تكشف لنا الظروف الطارئة والعوامل المؤث رة في مراحل التشريع في الحكم الواحد األمر الذي يجعلنا قادرين على األخذ بها في المستقبل إذا كانت الظروف الحاضرة ال تتناسب مع األخذ بها. وقد ورد في كتاب النكاح أن كراهة رضاعة الطفل من لبن الزانية ترتفع إن رفع المالك للجارية يده عن حق ه في زناها وقد بي ن ا تفصيل ذلك في كتاب النكاح فالمستقبل مؤث ر في الماضي عقال أحيان ا على نحو الشرط المتأخ ر وشرع ا بالنص ونحوه. وباإلضافة إلى المنافع التي ذكرناها هناك منافع أخرى من أهم ها: إننا عندما ندرس التاريخ الفقهي سنالحظ منحى القوة والضعف في هذا التاريخ سنجد هذا المنحى يرتفع في بعض األوقات ويهبط في أوقات أخرى. فالمعروف عند العلماء أن الفقه تكامل في خطوطه العامة عند نزول اآلية الكريمة: }ال ي و م أ ك م ل ت ل ك م د ين ك م و أ ت م م ت ع ل ي ك م ن ع م ت ي و ر ض يت ل ك م اإل س لال م د ين ا{ ) أما في خطوطه الخاصة فهو لم يتكامل إال خالل وبعبارة أخرى التاريخ الفقهي بمعنى الفاعل. 2 وبعبارة أخرى كشف الظروف عبر القابل. سورة المائدة: اآلية 3. 22

19 23 قرن من الزمن وقد بدىء بكتابة الفقه اإلسالمي منذ أي امه األولى فكتاب الجامعة ألمير المؤمنين)ع( الذي يبلغ طوله سبعين ذراع ا كما ورد في الكافي هو الكتاب الذي يتضم ن جميع األحكام الشرعية حتى أرش الخدش ) وقد ورث األئم ة)ع( كتاب الجامعة من جد هم أمير المؤمنين)ع( وانتقل من إمام إلى إمام. علم ا أن عمل العلماء والمجتهدين عبر التاريخ اإلسالمي إنما يكون بالشرح والتوضيح والتبيين وما أشبه ذلك. هذا وقد ذكر المؤرخون أن القانون الروماني لم يدو ن إال بعد مرور ألف سنة مع أخذ النظر بالفروقات المهمة بين القانونين اإلسلالمي والروماني فاألثر يدل على المؤث ر فالنتيجة من حيث القو ة والضعف دليل على قو ة أو ضعف المستند كما أن االنحراف واالستقامة دليل على البطلالن أو الصحة وقد ذكر لنا التاريخ كثير ا من قصص محاكم التفتيش في العهد الروماني عندما فرضت الكنيسة سيادتها على الحياة العامة فقامت بحرق المسيحيين المخالفين لها كذلك فعلت الحكومات التي جاءت عقب الكنيسة فانتهجت األساليب نفسها حتى إنهم كانوا ينتزعون االعترافات من القساوسة باآلالت الجارحة وهذا دليل على تدن ي القانون الروماني ألن لكل فعل رد فعل. وكيف كان فاألمران دليل على ما ذكرناه. ونكتشف حين دراستنا لتاريخ التشريع اإلسالمي إصابة هذا الفقه بوابل من الضعف في زمن الخلفاء الذين ابتدعوا فقه ا في قبال فقه األئمة األطهار)ع( وهذا ليس باألمر الغريب فقد ادعى التاريخ لهؤالء ما كان لألئمة)ع( من فضيلة فاد عوا الزهد حتى ليزيد بن معاوية ) وهارون أنظر الكافي أصول: ج 1 ص 59 ح 3 و ص 239 ب 40 ح 1 بصائر الدرجات: ص 148 المحاسن: ص ثاني خلفاء بني أمية رمز التسل ط واالستبداد واالنحراف الديني والسياسي واألخالقي اشتهر بشرب الخمور وارتكاب الفجور واللعب بالنرد والقرود واشتهر كذلك بنكاح أمهات األوالد والبنات واألخوات وترك الصالة والصيام كما وصفه عبد اهلل بن حنظلة غسيل المالئكة. ولد سنة 25 ه وقتل سنة 64 ه وحكم ثالث سنوات ففي السنة األولى من حكمه قتل سبط الرسول اإلمام الحسين ع وأهل بيته وأصحابه وفي السنة الثانية أباح مدينة الرسول ص لجنوده ثالثة

20 وبقية الكاظم واإلمام العابدين زين اإلمام زهد قبال في ) العباسي األئمة)ع(. بوضوح ويسجلها هذه الضعف نقاط عن لنا يكشف فالتاريخ ذلك. إلى الوصول الحقيقة يريد من يستطيع كي يطرأ عندما الفقهاء ذكره ما هو الفقه في التاريخ تأثير عوامل ومن فهو كان أوال الثانوي العنوان هذا حسب الحكم يتغي ر حيث ثانوي عنوان حكم ا السابق كان بأن األمر انعكس وإذا ثانوي حكم وثاني ا أولي حكم مصاديق من وهذا أولي ا حكم ا ثاني ا األمر فكان موضوعه ذهب ثم ثانوي ا آثار الترابط هذا نتائج من يكون حيث والتاريخ الفقه بين المتبادل التأثير أشبه. وما والكفارة القضاء مثل الثاني الحكم طرو بعد األول الحكم نتائج من هنا ذكرناه فيما والتجديد والتغيير الطرو أن والحاصل: الفقه. في التاريخ تأثير 24 وأحرقها. بالمنجنيق الكعبة ضرب الثالثة السنة وفي سكانها من اآلالف وسبى قتل أن بعد أيام م ه سنة األولى جمادى في ومات م ه سنة ولد 37 خليفة عددهم والبالغ العباس بني خلفاء خامس يوما عشر وتسعة وشهرا سنة 23 حكمه وامتد 786 م 170 ه سنة وحكم سنة 47 يناهز عمر عن سناباد قرية في سجنه أن بعد ع الكاظم اإلمام قتل فقد ع وأئمتهم البيت أهل لشيعة الخصوص وعلى واالستبداد بالظلم حكمه وات سم واآلثار الشيعي المذهب طمس إلى دائما يسعى هارون وكان الطالبيين. قتل وكذا وبغداد البصرة في مرات عشر وأجزل منهم الكثير وقر ب والمغنين بالغناء واهتم كربالء مدينة في المقدسة العتبات الخصوص وعلى اإلسالمية إسحاق له اختار وقد معه ومن هو ليطرب األصوات في عليهم ويقترح واحد مجلس في يجمعهم وكان عليهم العطاء األغاني. كتاب فيها األصفهاني الفرج أبو وضع التي المختارة المائة باألصوات وعرفت صوت مائة الغناء من الموصلي المغنين بشيخ اشتهر حتى والمنادمة والعزف بالغناء منزلة بلغ قد شكلة بابن المعروف إبراهيم هارون أخو وكان هازئين بغداد أهل من قوم قال ملذاته في لصرفها الناس عطاء توزيع عن إبراهيم عجز لما أنه التاريخ في ذكر وقد عطاء فتكون أصوات ثالثة الجانب هذا وألهل أصوات ثالثة الجانب هذا ألهل يغني خليفتنا لنا أخرجوا مستهزئين: الغناء. على لها يزم ر يعقوب اآلخر وأخوها تغني علية هارون أخت وكانت للجميع

21 الفرق بين علم التاريخ وفلسفته 25 مسألة: من الضروري للباحث في التاريخ أن يعرف الفرق بين علم التاريخ وفلسفته ) فالعلم بما هو علم عبارة عن المفردات أو المجموعات السطحية الظاهرة من اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو تربوية أو ما أشبه. أم ا الفلسفة فهي عبارة عن الروح العامة الدارجة في كل ذلك في أي بعد من أبعاد الحياة مثال العوائل هي مفردات لعائلة زيد وعائلة علي وعائلة خالد وهكذا. فالعلم بأن يعلم كل إنسان كيف يصنع كل واحد مع زوجته وأوالده وكيف تصنع الزوجة واألوالد مع أبيهم أو كيف يصنع األقرباء بعضهم مع بعض بالنسبة إلى عائلة بني تميم أو بني كالب أو بني ضب ة أو ما أشبه ذلك. أم ا الفلسفة فهي عام ة بالنسبة إلى كل العوائل فيؤخذ في الفلسفة المشتركات بينها ويترك الخصوصيات حال ذلك حال الجنس أو النوع في االصطلالح المنطقي. فالمنطقي ال ينظر إلى هذا الفرد الجزئي وتلك وقد عرف العلماء فلسفة التاريخ تعاريف عديدة منشؤها اختالف المناهج منها: 1 لورد بو لينغبروك: الفلسفة التي تعل م بالقدوة. 2 أنطونيو اليديوال: إنها تمحيص للمناهج والمبادئ واألنظمة لعلوم التاريخ إضافة إلى كونها تاريخا شامال ومكتوبا وج هته أفكار فلسفية سابقة. 3 أد كزينو بول: إنه وقائع متتابعة على عكس العلوم التي تعتبر وقائع متكررة. 4 دور كهايم: تبحث في تحديد االتجاه العام لتطور اإلنسانية وإيجاد قانون لحركة الحياة البشرية في خطوط دائرية أو مستقيمة. 5 وعرفه بعض : إنه معرفة الروابط التي تربط األحداث والوقائع المتفرقة ودراستها لتبين دوافعها وارتباطاتها ونتائجها واستخالص السنن من خاللها واالعتبار بالدروس والعظات فيها. 6 وعرفه الدكتور حسن سلمان في كتابه: النظرة القرآنية لتفسير حركة التاريخ ص 36 بما يلي: معرفة التحوالت والتطورات التي تنقل المجتمع من مرحلة إلى أخرى ومعرفة القوانين المحكمة في هذه التطورات والتحوالت.

22 كالشاة أم ا المؤر خ فهو ينظر إلى كل واحدة مفردة عن األخرى وإن ما المنطقي يأخذ حال الجزئي الشاة مثال بالنسبة إلى النوع ولذا قال الحاج السبزواري: فلازم للفيلسوف املنطقي أن ينظر اللفظ بوجه مطلق وليس المراد باللفظ بما هو لفظ وإنما اللفظ بما هو مثال وهكذا حال الجنس الشامل للجزئيات المختلفة للبقر والشاة والمعز وغير ذلك. وهكذا الحال بالنسبة إلى مختلف الجزئيات لغير الحيوان مثال فتاريخ هذه الشجرة وتلك الشجرة علم أم ا بالنسبة إلى تاريخ المجموع سواء كان نوع البرتقال أو جنس الشجرة فهو جنس وهكذا يكون حال الخاص والعرض العام باصطالح المنطقيين فقد يتكل م حول مال زيد أو قبح عمرو وهكذا بالنسبة إلى خالد وبكر أو غيرهم. أم ا بالنسبة إلى الفلسفي فينظر إلى الجمال في أشخاص جميلين بقول مطلق أو إلى القبح في هذا وذاك بقول مطلق. هذا بالنسبة إلى الخاص ة وبالنسبة إلى العرض العام هكذا على ما ذكروه في بحث الكل ي ات الخمسة سواء ما ذكروه في الفقه أو في الفلسفة أو في الحكمة أو في غيرها. والحاصل: أن موضوع التاريخ لمفرده علم مستقل ولمجموعه يدخل في نطاق الفلسفة فالمؤر خ إن ما يؤر خ للذين دخلوا التاريخ ولعبوا دور ا فيه وحر كوا مساره سواء دخلوا التاريخ لإلفساد كفرعون ) شرح منظومة السبزواري قسم المنطق مباحث األلفاظ: ص 21 لإلمام المؤلف. 2 الوليد بن مصعب ويكنى بأبي مصعب وهو فرعون موسى الطاغوت والجبار والمتكبر والظالم والساحر والباغي الذي قال: أنا ربكم األعلى وقد اختلف أرباب التاريخ في نسبه فبعض قال: إنه من اليمن وآخر: إنه من العمالقة وثالث: إنه من أقباط مصر كما ذكر ذلك اليعقوبي في تاريخه ج 1 ص 186 وكلمة فرعون في اللغة المصرية القديمة تعني الملك المتصرف أو الرب الذي له حق األمر والنهي في شعبه أو من هم تحت سلطته وقد ورد اسم فرعون في القرآن 74 مرة وتحدث عنه الباري سبحانه وتعالى في 27 سورة وقد حكم مصر وفلسطين وبالد الشام وبالد ما بين الرافدين في العراق واستمر حكمه على أقل التقادير 200 عام وقد استعان في ترسيخ حكمه ببعض الكهنة والسحرة وقد وصفه 26

23 27 وهتلر ) وستالين ) أو دخلوا التاريخ لإلصالح كما فعل األنبياء والمصلحون وال فرق في ذلك بين الساسة والقادة والعلماء والفالسفة والمفك رين والشعراء والمخترعين وأصحاب الصناعات والحرف. وال يقتصر التاريخ والفلسفة على الجانبين السياسي والعسكري أو جانب ثالث أو جانب رابع أو ما أشبه ذلك بل بالنسبة إلى المجموع من حيث المجموع سواء كانوا شخصيات أو حضارات أو أديان ا أو حروب ا أو غير ذلك ولذا فلكل من العلماء الذين ذكروا المفردات والفالسفة الذين ذكروا الروح العام ة للتاريخ فضل كبير بالنسبة إلى العلم واألجيال اآلتية فإن التحو ل في العصر الحديث من تاريخ األفراد إلى تاريخ الحضارات ليس معناه أن تاريخ األفراد صار منسي ا ألن االستفادة تكون من الجانبين فقد يكون بعض العلماء قد ات خذ التاريخ والفلسفة مع ا معيار ا للعلم فلهم علم التاريخ ولهم فلسفة التاريخ. القرآن الكريم بما يلي: إ ن ف ر ع و ن ع ال ف ي األر ض و ج ع ل أ ه ل ه ا ش ي عا ي س ت ض ع ف ط ائ ف ة م ن ه م ي ذ ب ح أ ب ن اء ه م و ي س ت ح ي ي ن س اء ه م إ ن ه ك ان م ن ال م ف س د ين سورة القصص االية 4 وإ ن ف ر ع و ن ل ع ال ف ي األر ض و إ ن ه ل م ن ال م س ر ف ين سورة يونس اآلية 83. وإ ن ه ك ان ع ال يا م ن ال م س ر ف ين سورة الدخان اآلية 31. أرسل اهلل سبحانه وتعالى له موسى النبي وآزره بأخيه هارون وبعث معه آيات عديدة منها: العصا والجراد والقمل والضفادع. لكن فرعون استكبر ولم يؤمن فأغرقه اهلل وجنوده والبالغ عددهم مليون شخص في النيل. أدولف هتلر ولد في النمسا سنة 1889 م وانتحر في برلين سنة 1945 م تسلم مقاليد الحكم في ألمانيا سنة 1934 م أدت سياسته إلى نشوب الحرب العالمية الثانية 1939 م والتي ذهب ضحيتها قرابة الخمسين مليون إنسان وخسر المعركة بهجومه على روسيا سنة 1943 من مؤلفاته كتاب: كفاحي. 2 جوزيف ستالين ولد سنة 1879 م ومات سنة 1953 م أصبح األمين العام للحزب الشيوعي في االتحاد السوفياتي السابق سنة 1924 م واستمر إلى سنة 1953 م وأصبح رئيسا للجمهورية بين الفترة م ات سم حكمه باالستبداد والديكتاتورية وقد قضى على خصومه في محاكم صورية وقد قتل من الشعب أكثر من عشرين مليونا ألجل تحويل النظام الزراعي التقليدي إلى المزارع الجماعية أو المزارع الحكومية. وقد سبب هذا التحويل سحق الطبقة الوسطى في المجتمع مم ا أدى إلى خفض اإلنتاج الزراعي ونقص الماليين من رؤوس الماشية وإحداث مجاعات في البالد وعلى الخصوص في أوكرانيا وشمال القفقاز.

24 عالقة التاريخ باألخالق مسألة: من موضوعات فلسفة التاريخ التي يجب على الباحث التاريخي أن يالحظها: النظر إلى تاريخ األم ة بصورة إجمالية والقول إن تاريخها تاريخ أخالقي أو تاريخ غير أخالقي. وفي البدء يمكننا القول: إن األخالق ال تتكون عند اإلنسان إال بالدين واإليمان باهلل سبحانه واليوم اآلخر حقيقة ال لفظا ا واد عاء فاألخالق بدون الدين ال تكون أخالقا ا صحيحة وإن ما أخالق ا خيالي ة وكما أن لألفراد أخالقيات سليمة وفاسدة كذلك للدول والحضارات واألحزاب والمنظ مات والهيئات واالجتماعات والعشائر ومن أشبههم أخالقيات صحيحة أو فاسدة فإذا كان هناك في الدولة: التراحم والتعاطف والشورى والخدمة وما أشبه ذلك فهذه الدولة لها أخالق صحيحة وسليمة. أم ا إذا لم تكن هذه األمور بل كان االستبداد واإلسراف والترف والتبذير والبطش كما قال سبحانه وتعالى: }و إ ذ ا ب ط ش ت م ب ط ش ت م ج ب ار ين { ) بتقريب فئة وتبعيد فئة وات خاذ بطانة للمؤامرة والمكر دائم ا فهذه الدولة تصبح دولة ال أخالقية. ومن الواضح أن الفرد كالمجتمع والمجتمع كالفرد وكالهما كالحكومة والحزب فيكتب لها البقاء إذا كانت لها أخالقيات صحيحة ألن األخالقيات الصحيحة هي التي تواكب الحياة وتكون حسب موازين الكون والفطرة وليس حسب موازين ما يريده اإلنسان وما تشتهيه نفسه. سورة الشعراء: اآلية

25 29 فمن يقول: ال أعترف بالجاذبية وي لقي نفسه من شاهق البد وأن يصطدم باألرض ويتقط ع جسده قطع ا متناثرة. كذلك من يقول: إن ي ال أؤمن بالهواء الطلق النظيف في البيئة السليمة فأنتقل إلى بيئة موبوءة البد وأن يصيبه الوباء. وهكذا بالنسبة إلى من ال يعترف بأن النار محرقة فيدخلها فالبد وأن يحترق. وهذه األمور الملموسة لإلنسان تقاس عليها الحكومات والدول فإن اهلل سبحانه وتعالى كما جعل لكل شيء موازين وحدود ا من األمور المخلوقة كذلك جعل للمجتمعات واألفراد مثل هذه الموازين. فالعصفور ال يكبر إلى حجم الحمام والحمام ال يكبر إلى حجم النعامة والنعامة ال تكبر إلى حجم الفيل والعكس صحيح أيض ا فالفيل ال يصغر إلى حجم النعامة والنعامة ال تصغر إلى حجم الحمام والحمام ال يصغر إلى حجم العصفور وهكذا بالنسبة إلى سائر موازين الكون حسب ما قاله سبحانه وتعالى: }ال ذ ي أ ع ط ى ك ل ش ي ء خ ل ق ه ث م ه د ى{ ) وهكذا جعل اهلل سبحانه وتعالى لكل من االقتصاد واالجتماع والتربية والفكر والثقافة موازين خاص ة فإذا خالف كائن ذلك الميزان اصطدم بموازين اهلل سبحانه وتعالى وسننه ليتحط م ويفنى. مثلال : بنو أمي ة ) خالفوا موازين اهلل سبحانه وتعالى في الحكم سورة طه: اآلية نسبة إلى أمي ة وهو من الروم استلحقه عبد شمس حكموا اثنين وتسعين سنة ابتداء من ه م وإلى 132 ه 750 م وامتد ت دولتهم من شواطئ المحيط األطلسي وجبال البرانس غربا إلى نهر السند وتخوم الصين شرقا وعدد خلفائهم أربعة عشر خليفة وهم كالتالي: 1. معاوية بن أبي سفيان. 2. يزيد بن معاوية. 3. معاوية الثاني. 4. مروان بن الحكم. 5. عبد الملك بن مروان. 6.الوليد بن عبد الملك. 7. سليمان بن عبد الملك. 8. عمر بن عبدالعزيز. 9. يزيد بن عبد الملك. 10. هشام بن عبد الملك. 11. الوليد بن يزيد. 12. يزيد بن عبد الملك. 13. إبراهيم بن الوليد. 14. مروان الحمار. ات سمت سيرتهم باللهو واللعب والغناء والطرب والشراب وإحياء الباطل وإماتة السنة وإظهار البدعة ومصادرة األموال وبث روح العصبية وإثارة النزاعات القبلية وقتل أهل البيتع. وفي زمانهم كانوا يختمون على أعناق الصحابة والتابعين على أنهم عبيد للخليفة وكانوا يسجنون النساء ويأتي من أراد الزنا فيدخل إلى السجان فيختار من النساء ويقضي وطره مقابل مبلغ من المال. وقامت في عهدهم عدة ثورات منها: 1. ثورة اإلمام الحسينع 2. ثورة أهل المدينة بقيادة عبد اهلل بن حنظلة 3. ثورة أهل مكة بقيادة عبد اهلل بن الزبير. 4. ثورة المختار 5. ثورة مصعب بن الزبير. 6. ثورة زيد بن علي. 7. ثورة

26 أمير اإلمام سب وكان والجبروت الطغيان من عهد بعد تحطموا ولهذا 70 نصبوا أمي ة بني أن ) الشافعي لنا ذكر فقد لطغيانهم م علم ا المؤمنين)ع( البالد طول في المسلمين منابر كثرة على يدل مم ا علي)ع( لسب منبر ألف قصم الحكم في وتعالى سبحانه اهلل سنن خالفوا لم ا ذلك ومع وعرضها سقط كيف زماننا في نحن رأينا وهكذا السلطة عن وأقصاهم ظهورهم عبد من العراق ام حك سقط وكيف إيران في ) وابنه شاه رضا الشاهان ) والبكر ) عارف الرحمن وعبد ) عارف السالم وعبد ) قاسم الكريم من حال حالهم يكون وتعالى سبحانه اهلل موازين خالفوا إذا الحكام فإن الشاهق. من نفسه إلقاء في اهلل موازين يخالف باهلل اإليمان عن انبعثت سواء ام الحك فأخالقي ات حال: كل وعلى المهلب. بني 150 ه سنة ولد الشافعي السني المذهب مؤسس ويعد جده إلى نسبة بالشافعي الملقب إدريس بن محمد اهلل عبد أبو مث بغداد إلى ومنها مكة إلى سافر ثم 813 م 198 ه سنة مصر إلى هاجر 820 م 204 ه سنة مصر في وتوفي 767 م المسند. الحديث اختالف األحكام أدلة في رسالة األم كتاب مؤلفاته: من 815 م 200 ه سنة مصر إلى العودة 44. ص ج 1 واللغات: األسماء تهذيب ص ج 3 األربعة: والمذاهب ع الصادق اإلمام كتاب راجع للمزيد نفسه ولقب بهم أطاح ثم القاجار حكومة في الدفاع للحربية وزيرا أصبح العشرين القرن في إيران ملوك من شاه: رضا 2 لسنة الحكم في واستمر م 1925 ه 1343 سنة إيران وحكم 1878 م ه 1295 سنة ولد القديمة للفارسية إحياء ببهلوي والحسينيات والمدارس المساجد وهدم البهائي المذهب ونشر الفارسية القومية بإحياء حكمه ات سم 1941 م ه 1359 اإلسالمي المجتمع أوساط في والقمار والخمر الزنا وأشاع الحياة في أدوارهم ممارسة من الدين ورجال العلماء ومنع الري قنوات الخصوص وعلى البالد اقتصاد وحطم الشريعة فرضته الذي الحجاب ارتداء من المسلمات النساء ومنع جزيرة إلى اإلنجليز نفاه مسلم. آالف ثالثة من أكثر اإليرانية مشهد مدينة في شاد كوهر مسجد ثورة في وقتل يوم كل يقف فكان الجنون من لوث منفاه في وأصابه مكانه رضا محمد ولده وعي نوا الهندي المحيط في موريس قتله ثم الكيفية بهذه أوقاته أكثر يقضي وكان نفسه على بهستيرية يضحك ثم ألقابه ويعدد غرفته في مرآة أمام 1944 م ه سنة هناك اإلنجليز وتسلم 1919 م 1337 ه سنة ولد والده خلعوا أن بعد اإلنجليز عينه العشرين القرن في إيران ملوك من شاه: رضا محمد ودفن 1980 م 1400 ه سنة المنفى في ومات 1979 م 1399 ه سنة به وأطيح م 1941 ه 1359 سنة إيران في الحكم مصر. في بالنظام أطاح أن بعد 1958 م 1377 ه سنة العراق في الحكم تسلم 1914 م 1332 ه سنة بغداد في ولد قاسم: الكريم عبد وأعدم 1963 م 1382 ه لسنة الحكم في استمر البالد إلدارة السيادة مجلس وشكل الجمهوري النظام وأعلن الملكي عارف. السالم عبد قاده عسكري النقالب تعرضه إثر 1966 م 1385 ه سنة قتل 1963 م 1382 ه سنة العراق في الحكم تسلم 1921 م ه 1339 سنة ولد عارف: السالم عبد 4 العراق. جنوب في طائرته سقوط إثر السالم عبد أخيه مقتل بعد 1966 م ه 1385 سنة للعراق رئيسا أصبح 1916 م 1334 ه سنة ولد عارف: الرحمن عبد 5 تركيا. إلى ونفي البكر حسن أحمد دب ره انقالب إثر 1968 م 1388 ه سنة السلطة عن نحي دب ره انقالب إثر 1968 م 1388 ه العراق في الحكم تسلم 1914 م 1333 ه سنة تكريت في ولد البكر: حسن أحمد 6 صدام دب ره انقالب إثر 1979 م 1399 ه سنة وأقصي سنة عشرة إحدى الحكم في واستمر عارف الرحمن عبد على علوش. صادق الدكتور بواسطة لديه كر الس نسبة ارتفاع سب بت بحقنة 1982 م 1402 ه سنة صدام وقتله التكريتي. 30

27 واليوم اآلخر أو انبعثت عن العقل الذي يقول: إن األخالقيات المنحرفة تسب ب سقوط الحكم حالها حال أخالقيات الفرد فإن الفرد إذا كانت له أخالقيات صحيحة عن إيمان أو عن تعق ل البد وأن يزدهر وأن يتقد م وأن يلتف حوله الناس ويصل إلى هدفه بينما إذا لم يكن كذلك انفض الناس من حوله. كما قال اإلمام أمير المؤمنين)ع(: )ال وحشة أوحش من العجب( ). 31 من ال يحضره الفقيه: ج 4 ص 372 ب 2 ح 5762 كشف الغمة: ج 1 ص 384 بحار األنوار: ج 1 ص 88 غرر الحكم ودرر الكلم: ص 308 ح 7088.

28 االستقراء مسألة: إن دراسة التاريخ في منهجه وغايته تعتمد على االستقراء والتمثيل والقياس المنطقي كالعلوم األخرى وذلك لوحدة الجامع في العلوم فاالستقراء هو تتبع الجزئيات واألمور المتشابهة ليستفاد منها الكل ي العام مثال نالحظ أن الفرس والبغل والحمار وألف حيوان وحيوان آخر يحر ك فك ه األسفل عند المضغ فنستفيد من ذلك أن كل حيوان يحر ك فك ه األسفل عند المضغ فنجعل ذلك قاعدة كل ية فإن كان االستقراء تام ا بالنسبة إلى كل الحيوانات فتكون القاعدة قطعية وإن لم يكن االستقراء تام ا في كل المفردات وإن ما في كثير من المفردات فيكون االستقراء ناقص ا وإن ما تأتي بنحو الكل ية من باب أن الظن يلحق الشيء باألعم األغلب إال أن يتدخ ل بداهة في األمر فيكون االستقراء أيض ا قطعي ا ويسم ى االستقراء المعلل. مثلال : إن ا نرى أن النار في العراق وفي إيران وفي مصر وفي الشام وفي الصين وفي عشرات األماكن األخرى تحرق اليابس الذي تلتقي به من خشب أو عود أو ورق أو ما أشبه ذلك فإن ا نقطع بأن النار تحرق اليابس مع أن ه ليس لنا استقراء تام. ولذا ال استثناء في ذلك إال إذا كان األمر مرتبط ا باهلل سبحانه وتعالى لقوله: }ي ا ن ار ك ون ي ب ر د ا و س ال م ا { ) كما حدث في قص ة إبراهيم)ع(. أم ا بالنسبة إلى كل حيوان يحر ك فك ه األسفل عند المضغ فقد رأينا سورة األنبياء: اآلية

29 33 استثناء ذلك في بعض أقسام من الحيوانات البحرية على ما ذكروه. وبالقواعد الكل ية التي انتهينا إليها نستطيع استيعاب العلوم المختلفة فنرى أن العلوم تقوم على أساس االستقراء. كما أن كثير ا من العلوم تستفيد من التمثيل وكثير ا من العلوم تستفيد من القياس المنطقي حيث تشك ل الصغرى والكبرى وتكون النتيجة قطعية إذا كانت كل من الكبرى والصغرى قطعية فنقول: زيد إنسان وكل إنسان يموت فزيد يموت حيث إن األصغر يدخل تحت األكبر بسبب الحد األوسط المكر ر في كل من الصغرى والكبرى حسب األشكال األربعة التي ذكرها المنطقي ون والصناعات الخمسة وهي حسب الماد ة وأم ا القياس فهو حسب الصورة وهذا كما يأتي في علوم الفيزياء والكيمياء والعلوم اإلنسانية يأتي أيض ا في فلسفة التاريخ إذ العلوم لها جامع واحد من هذه الجهة ألن منهج علم التاريخ يعتمد على جمع أكبر عدد ممكن من الوقائع التاريخية بهدف الوصول إلى أحكام كل ية على طبق ما ذكر في العلوم الطبيعية إم ا على نحو القياس أو على نحو االستقراء أو على نحو التمثيل. وقد أضاف بعض علماء األصول االستحسان لكن االستحسان ليس له ضوابط خاص ة ولهذا فإن الفقهاء أسقطوا االستحسان عن االستدالل ألن ه حسب ذوق العالم الذي يستحسن. ولذا فأحدهم يستحسن شيئ ا وأحدهم يستحسن شيئ ا آخر. مثلال : أحدهم يقول: إن الضبع كالظبي ولهذا فهو حالل واآلخر يقول: إن الضبع كالكلب ولذا فهو حرام إلى غير ذلك من األمثلة الموجودة في الفقه. والنتيجة: ال يؤد ي االستحسان إلى تأسيس أحكام كلية فهو ليس منهج ا علمي ا وبالتالي ال يوجد قاعدة كلية. وهذا من جهة منهج العلم. كما أن فلسفة التاريخ أيض ا تشابه العلوم الطبيعية واإلنسانية من جهة

30 غاية العلم وهي الغايات العملية في الطبيعية ألجل تسخير العلوم الطبيعية لصالح اإلنسان وأم ا بالنسبة إلى فلسفة التاريخ فالهدف من ذلك تزويد اإلنسان بأحكام تمك نه من أن يفهم معنى األحداث الحاضرة أو المستقبلية في ضوء خبرته بالماضي وقد ذكرنا في موسوعة الفقه في كتاب الفقه المستقبل: إن ه كيف يمكن استمداد المستقبل من الماضي والحاضر ألن الزمان يشبه بعضه بعض ا والحضارات تشبه بعضها بعض ا بحسب ما نستفيد من القياس أو التمثيل أو االستقراء من الجهات المشابهة سواء كانت الحضارات صحيحة أو باطلة أو كانت أمور ا اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو تربوية أو غير ذلك مستقيمة أو غير مستقيمة مثل االقتصاد الرأسمالي أو االقتصاد الشيوعي أو االقتصاد االشتراكي أو غير ذلك من اتحاد االقتصاد. وعلى أي حال: فإن فلسفة التاريخ منهج علمي يستفيد من منهج العلم ومن غاية العلم كما أن ه يستفاد من ذلك احتياج العلم إلى الدين وأن ه ال يمكن للعلم أو الدين أن يؤثر لوحده فهما جناحان للحضارة الصحيحة وقد أضحت غاية العلم خدمة أغراض الدين فإن العلم بدون الدين ال يتمك ن أن يخدم اإلنسان بل كثير ا ما يكون العلم آلة للهدم بيد اإلنسان كما رأيناه في هذين القرنين بالنسبة إلى البالد الغربية وقبل ذلك كان دين المسيحية دون وجود أي دور للعلم فأفسدت الكنيسة إفساد ا ال مثيل له. وفي هذين القرنين وبعد أن أضحى العلم بدون وجود الدين أفسد العلم إفساد ا ال مثيل له حت ى انتهى إلى صنع القنبلة الذر ية المدمرة. ومن هذه التجارب األخيرة التي مر ت على العالم في القرون الوسطى والنهضة الصناعية إلى اليوم استقرأ المؤر خون النظرة األخروية التي تجعل 34

31 35 غاية التاريخ عالم الدنيا وعالم اآلخرة على ما قاله سبحانه وتعالى: }و م ن ه م م ن ي ق ول ر ب ن ا آت ن ا ف ي الد ن ي ا ح س ن ة و ف ي اآلخ ر ة ح س ن ة و ق ن ا ع ذ اب الن ار * أ ول ئ ك ل ه م ن ص يب م م ا ك س ب وا{ ) فاالستعمار واالستثمار وقتل األبرياء والسيطرة على األفراد والشعوب ونهب مواردها وخيراتها ما هي إال نتيجة أن العلم صار بيد أناس ال يؤمنون باهلل واليوم اآلخر. وعلى أي حال: فتجرد العلم عن األخالق واإلنسانية والعدل واإلنصاف يولد الظلم والقهر واالستبداد وكل ما هو سوء. ولذا ورد في رواياتنا )فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك( ) و )من نادى يا للمسلمين فلم يجيبوه فليسوا بمسلمين( ) و )ليس من ا من ترك دنياه آلخرته وال آخرته لدنياه( ) و )اعمل لدنياك كأن ك تعيش أبد ا واعمل آلخرتك كأن ك تموت غد ا( ) إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة التي تبي ن هذا األمر بعد القرآن الحكيم الذي فيه إشارات كثيرة إلى هذه الجهة. ولذا نشاهد أن الغرب بعد ابتعاده عن الدين خالل القرون الماضية وبعد أن رأى اآلثار السلبية للعلم عندما تجرد عن اإليمان أخذ يقترب منه رويد ا رويد ا حت ى تنبأ أحد فالسفة بريطانيا أن ه ال تمر مائة سنة القادمة إال والبريطانيون يدخلون في دين اإلسالم كاف ة. سورة البقرة: اآليات نهج البالغة: الكتاب 31 شرح نهج البالغة البن أبي الحديد: ج 16 ص 84 ب 31 وفي األمالي للصدوق: ص 323 ومصادقة اإلخوان: ص 40 واالختصاص: ص 27 بالمعنى. فقد ورد في الجعفريات: ص 88 من أصبح ال يهتم بأمر المسلمين فليس من المسلمين ومن شهد رجال ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس من المسلمين وفي وسائل الشيعة : ج 15 ص 141 ب 59 ح وج 16 ص 337 ب 18 ح : من سمع رجال ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم وفي الكافي أصول: ج 2 ص 163 ح 1 من أصبح ال يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم. 4 من ال يحضره الفقيه: ج 3 ص 156 ب 2 ح 3568 وسائل الشيعة: ج 17 ص 76 ب 28 ح مجموعة ورام: ج 2 ص 234 مستدرك الوسائل: ج 1 ص 146 ب 25 ح 220 بحار األنوار: ج 44 ص 139 ب 22 ح 6.

32 أدوار التاريخ مسألة: إن للحضارات أدوار ا كأدوار الليل والنهار والفصول األربعة أو سائر ظواهر الكون. بمعنى أن الحضارات تبدأ صغيرة ثم تكبر وتشب ثم تأخذ في الهرم ثم تأخذ بالسقوط. وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في آيات متعد دة وهنا نذكر جملة من اآليات في سورة المؤمنون تدل على هذا الشيء وعلى هذه فقس ما سواها قال سبحانه وتعالى: }و ل ق د أ ر س ل ن ا ن وح ا إ ل ى ق و م ه ف ق ال ي ا ق و م اع ب د وا اهلل م ا ل ك م م ن إ ل ه غ ي ر ه أ ف ال ت ت ق ون * ف ق ال ال م أل ال ذ ين ك ف ر وا م ن ق و م ه م ا ه ذ ا إ ال ب ش ر م ث ل ك م ي ر يد أ ن ي ت ف ض ل ع ل ي ك م و ل و ش اء اهلل أل ن ز ل م ال ئ ك ة م ا س م ع ن ا ب ه ذ ا ف ي آب ائ ن ا األو ل ين * إ ن ه و إ ال ر ج ل ب ه ج ن ة ف ت ر ب ص وا ب ه ح ت ى ح ين * ق ال ر ب ان ص ر ن ي ب م ا ك ذ ب ون * ف أ و ح ي ن ا إ ل ي ه أ ن اص ن ع ال ف ل ك ب أ ع ي ن ن ا و و ح ي ن ا ف إ ذ ا ج اء أ م ر ن ا و ف ار الت ن ور ف اس ل ك ف يه ا م ن ك ل ز و ج ي ن اث ن ي ن و أ ه ل ك إ ال م ن س ب ق ع ل ي ه ال ق و ل م ن ه م و ال ت خ اط ب ن ي ف ي ال ذ ين ظ ل م وا إ ن ه م م غ ر ق ون * ف إ ذ ا اس ت و ي ت أ ن ت و م ن م ع ك ع ل ى ال ف ل ك ف ق ل ال ح م د هلل ال ذ ي ن ج ان ا م ن ال ق و م الظ ال م ين * و ق ل ر ب أ ن ز ل ن ي م ن ز ال م ب ار ك ا و أ ن ت خ ي ر ال م ن ز ل ين * إ ن ف ي ذ ل ك آلي ات و إ ن ك ن ا ل م ب ت ل ين * ث م أ ن ش أ ن ا م ن ب ع د ه م ق ر ن ا آخ ر ين * ف أ ر س ل ن ا ف يه م ر س وال من ه م أ ن اع ب د وا اهلل م ا ل ك م م ن إ ل ه غ ي ر ه أ ف ال ت ت ق ون * و ق ال ال م أل م ن ق و م ه ال ذ ين ك ف ر وا و ك ذ ب وا ب ل ق اء اآلخ ر ة و أ ت ر ف ن اه م ف ي ال ح ي اة الد ن ي ا م ا ه ذ ا إ ال ب ش ر م ث ل ك م ي أ ك ل م م ا ت أ ك ل ون م ن ه و ي ش ر ب م م ا ت ش ر ب ون * و ل ئ ن أ ط ع ت م ب ش ر ا م ث ل ك م إ ن ك م إ ذ ا ل خ اس ر ون * أ ي ع د ك م أ ن ك م إ ذ ا 36

33 م ت م و ك ن ت م ت ر اب ا و ع ظ ام ا أ ن ك م م خ ر ج ون * ه ي ه ات ه ي ه ات ل م ا ت وع د ون * إ ن ه ي إ ال ح ي ات ن ا الد ن ي ا ن م وت و ن ح ي ا و م ا ن ح ن ب م ب ع وث ين * إ ن ه و إال ر ج ل اف ت ر ى ع ل ى اهلل ك ذ ب ا و م ا ن ح ن ل ه ب م ؤ م ن ين * ق ال ر ب ان ص ر ن ي ب م ا ك ذ ب ون * ق ال ع م ا ق ل يل ل ي ص ب ح ن ن اد م ين * ف أ خ ذ ت ه م الص ي ح ة ب ال ح ق ف ج ع ل ن اه م غ ث اء ف ب ع د ا ل ل ق و م الظ ال م ين * ث م أ ن ش أ ن ا م ن ب ع د ه م ق ر ون ا آخ ر ين * م ا ت س ب ق م ن أ م ة أ ج ل ه ا و م ا ي س ت أ خ ر ون * ث م أ ر س ل ن ا ر س ل ن ا ت ت ر ى ك ل م ا ج اء أ م ة ر س ول ه ا ك ذ ب وه ف أ ت ب ع ن ا ب ع ض ه م ب ع ض ا و ج ع ل ن اه م أ ح اد يث ف ب ع د ا ل ق و م ال ي ؤ م ن ون * ث م أ ر س ل ن ا م وس ى و أ خ اه ه ار ون ب آي ات ن ا و س ل ط ان م ب ين * إ ل ى ف ر ع و ن و م ل ئ ه ف اس ت ك ب ر وا و ك ان وا ق و م ا ع ال ين * ف ق ال وا أ ن ؤ م ن ل ب ش ر ي ن م ث ل ن ا و ق و م ه م ا ل ن ا ع اب د ون * ف ك ذ ب وه م ا ف ك ان وا م ن ال م ه ل ك ين * و ل ق د آت ي ن ا م وس ى ال ك ت اب ل ع ل ه م ي ه ت د ون * و ج ع ل ن ا اب ن م ر ي م و أ م ه آي ة و آو ي ن اه م ا إ ل ى ر ب و ة ذ ات ق ر ار 37 و م ع ين * ي ا أ ي ه ا الر س ل ك ل وا م ن الط ي ب ات و اع م ل وا ص ال ح ا إ ن ي ب م ا ت ع م ل ون ع ل يم * و إ ن ه ذ ه أ م ت ك م أ م ة و اح د ة و أ ن ا ر ب ك م ف ات ق ون { ). وقد تقد مت جملة من اآليات األخرى التي ذكر اهلل سبحانه وتعالى فيها أن جماعة كانت تشابه جماعة في تكذيب األنبياء وأن بعضهم كان يشابه بعض ا في أخذ اهلل سبحانه وتعالى لهم بمختلف العقوبات المناسبة ألعمالهم المنحرفة وعقائدهم الباطلة وقد أشرنا إلى مناسبة العقاب بالعمل في آيات القرآن الحكيم في كتاب حول القرآن الحكيم ) مم ا ال نريد تكراره هنا. وعلى أي حال: فالحضارات حالها حال الكائنات الحي ة فيها ميالد وشباب وشيخوخة وفناء وال يقصد بالفناء الفناء المطلق بل فناء الكيفية. ومن الممكن أن تكون هناك حكومة على الغرار المنحرف ثم سورة المؤمنون: اآليات وهو التفسير الموضوعي.

34 تستقيم فتبقى كما ذكرنا ذلك في كتاب )الغرب يتغي ر( بينما ذكرنا قبل سقوط الشيوعية بسنوات متعد دة أن الشيوعية تسقط سقوط ا مطلق ا في كتاب ماركس ينهزم ) والذي نراه أن الصيغة األخيرة الصحيحة الباقية هي صيغة اإلسلالم الصحيح الواقعي حيث ليس لحكم اهلل منتهى وقد قال سبحانه وتعالى: }و أ ن إ ل ى ر ب ك ال م ن ت ه ى{ ) ونحن اآلن نرى أن الغرب إذا أخذ باإلسلالم ستبقى حكومته بدون حروب أو ثورات أو مشاكل اقتصادية أو اجتماعية إال بالقدر المالزم للبشرية حيث قال اإلمام علي)ع( في وصف الدنيا: )دار بالبالء محفوفة وبالغدر معروفة ال تدوم أحوالها وال يسلم نز الها( ). أم ا إذا لم تأخذ البالد الغربية باإلسالم الصحيح فإن ها معر ضة أيض ا لالهتزازات والسقوط واإلسالم ليس إال عقيدة صحيحة وقوال صحيح ا وعملال صحيح ا في مختلف جوانب الحياة. ولكن الكالم في أن عقالء الغرب هل يدركون هذه الحقيقة فيغي رونه إلى المسار الصحيح الذي هو باق أم ال حت ى يكون السقوط نهايته! 38 كالم فولتير ورد ه وفولتير ) المفك ر الغربي المشهور يشير إلى هذا المطلب حيث يقول: إن بعض المؤر خين اهتموا بالحروب والمعاهدات ولكن ي بعد قراءة ما بين ثالثة آالف وأربعة آالف معركة ببضع مئات من المعاهدات لم أجد نفسي أكثر حكمة من قبلها حيث لم أتعر ف إال على مجر د حوادث ال وكما أشار إلى ذلك من قبل في كتاب االقتصاد اإلسالمي المقارن. 2 سورة النجم: اآلية 42. نهج البالغة: الخطبة 226 وفي بحار األنوار: ج 73 ص 82 ب 122 ح 45 وص 117 ب 122 ح 109 و ج 77 ص 298 ب 14 ح 4 بالمعنى. 4 اسمه فرانسوا ماري أرويه ومشهور بفولتير ولد سنة 1694 م في باريس ومات سنة 1778 م كاتب ومؤرخ وفيلسوف عمل جاهدا ضد أفكار الكنيسة وحكمها المطلق ويعد المفكر اإليديولوجي للثورة الفرنسية.

35 تستحق عناء المعرفة. أقول: لو أن فولتير درس اإلسالم الصحيح الكامل ال ما ارتكبه الحك ام المنحرفون لم يتكل م بمثل هذا الكالم فقد قال اهلل سبحانه وتعالى: }أ ال ب ذ ك ر اهلل ت ط م ئ ن ال ق ل وب } ) وليس المراد لقلقة اللسان وإن ما ذكر اهلل واقع ا في أقواله وعقائده وأعماله. وقال سبحانه وتعالى في آية أخرى: }ه و ال ذ ي أ ن ز ل الس ك ين ة ف ي ق ل وب ال م ؤ م ن ين ل ي ز د اد وا إ يم ان ا م ع إ يم ان ه م و هلل ج ن ود الس م او ات و األر ض ي و ك ان اهلل ع ل يم ا ح ك يم ا{ ) وفي آية أخرى في السورة نفسها: }ل ق د ر ض اهلل ع ن ال م ؤ م ن ين إ ذ ي ب اي ع ون ك ت ح ت الش ج ر ة ف ع ل م م ا ف ي ق ل وب ه م ف أ ن ز ل الس ك ين ة ع ل ي ه م و أ ث اب ه م ف ت ح ا ق ر يبا ا{ ) وفي آية رابعة: }و م ن ي ؤ م ن ب اهلل ي ه د ق ل ب ه { ). 39 سورة الرعد: اآلية سورة الفتح: اآلية 4. سورة الفتح: اآلية سورة التغابن: اآلية 11.

36 الدراسة الموضوعية للتاريخ مسألة: يلزم على من يريد معرفة فلسفة التاريخ أن يدرس التأريخ بتجرد وموضوعية وأن يفهم الخصوصيات والمزايا لألحداث والوقائع فمن يعمل ذلك سيعرف أن كثير ا من المكتشفات الحديثة لم تكن حديثة كالطائرة واكتشاف القار ة األمريكية واكتشاف الدورة الدموية بل واكتشاف آالت الطابعة وما أشبه ذلك قد تحق ق وجودها بفضل سبغ غور التاريخ إن هذه األمور اكتشفت قبل ذلك ولعل ها بقرون فإن الدورة الدموية مثال مذكورة في كالم اإلمام الصادق)ع( الذ ي ألقاه على المفض ل والذي أماله عليه في كتاب )توحيد المفض ل( ) وهكذا كان اكتشاف القار ة األمريكية على يد بح ار مسلم اسمه أحمد.. إلى غير ذلك ) مم ا لسنا بصدد ذكره اآلن. وعلى أي حال: فليست فلسفة التاريخ إال مثل سائر األشياء الوجودية بحاجة إلى واقعية في الفلسفة واستقامة في أهلية المؤر خ وإال كانت 40 وقد جاء في إمالء اإلمام جعفر الصادق ع على المفضل بن عمر الجعفي: فك ر يا مفض ل في وصول الغذاء إلى البدن وما فيه من التدبير فإن الطعام يصير إلى المعدة فتطبخه ويبعث بصفوه إلى الكبد في عروق دقاق وأشجة بينهما وقد جعلت كالمصف ى للغذاء لكي ال يصل إلى الكبد منه شيء فيتكأها وذلك أن الكبد رقيقة التحمل العنف. ثم إن الكبد تقبله فيستحيل بلطف التدبير دما وينفذه إلى البدن كله في مجار مهيئة لذلك بمنزلة المجاري التي تهيأ للماء ليطرد في األرض كلها وينفذ ما يخرج منه من الخبث والفضول إلى مفائض قد أعدت لذلك فما كان منه من جنس الم ر ة الصفراء جرى إلى المرارة وما كان من جنس السوداء جرى إلى الطحال وما كان من البلة والرطوبة جرى إلى المثانة. راجع توحيد المفض ل ص وليست الدورة الدموية من مكتشفات العالم اإلنجليزي وليم هارفي المتوفى في القرن السابع عشر الميالدي. 2 مثال كروية األرض اكتشفها المسلمون في القرن السادس عشر الميالدي قبل رحلة ماجالن كما اكتشفت القارة السادسة إنتاركتيا والتي تبلغ مساحتها 14, كم 2 وتقع في نصف الكرة األرضية الجنوبي في القرن السادس عشر من قبل المسلمين قبل اكتشافها من قبل علماء الغرب سنة 1952 م عبر األجهزة العاكسة للصوت باعتبارها منطقة مغطاة بالثلوج طوال عصور التاريخ.

37 41 النتيجة خطأ سواء في تخطئة أحدهما أو في تخطئة كليهما. والحاصل: أن ه من أراد الوصول إلى الحريم التاريخي والفلسفة العام ة في قضايا مختلفة ليستفيد منها الروح العام ة السارية في التاريخ حاضر ا ومستقبال بل وماضي ا عليه أن يحشر موضوعات كثيرة من التفاصيل التاريخية المشابهة مثل الحروب المتعد دة أو الدول المتعد دة أو القضايا االقتصادية المتعد دة أو ما أشبه ذلك حت ى يحصل االستقراء التام أو االستقراء الناقص المفيد ولو للظن مم ا يمكن تشكيل القياس المنطقي منها صغرى وكبرى باإلضافة إلى حصر الوقائع المراد دراستها من حيث الزمان والمكان والخصوصيات والمزايا حت ى يستطيع الباحث أن يستوفي دراستها ويصل إلى النتيجة المطلوبة السارية في جميعها متسلح ا بالروح النقلية التي تستند إلى الوثائق والمستندات زيادة ونقيصة وقو ة وبعث ا وإال لم يصل إلى النتائج المطلوبة الموثوق بها بل يكون منتهى األمر نقصان ا أو ظن ا ال يفيد علم ا وال عمال. هذا مع الفرق التام بين الجانب الشخصي والجانب االجتماعي واالهتمام بالجانب الحضاري. إذ ال تفهم روح التاريخ من دراسة التاريخ أو الشخصيات أو أعمالهم أو حروبهم أو اقتصادياتهم أو ما أشبه ذلك بدون النقد والفحص والبحث والتدقيق والمناقشة والمعادلة والتراجيح وما أشبه ذلك. وتدقيق النظر في زمان ومكان الحدث وسائر جوانبه كثير ا ما يصل باإلنسان إلى صح ة الواقعة أو بطالنها وزيادتها أو نقيصتها وقد ورد في التاريخ أن بعض ا من اليهود في منطقة ما عرضوا على أحد الخلفاء العباسيين وثيقة بخط اإلمام علي بن أبي طالب)ع( بإمالء رسول اهلل )ص( وبشهادة نفرين من األصحاب أن الرسول رفع الجزية عن هؤالء أبد ا

38 وتحي ر الخليفة في ذلك وأحضر العلماء وبعد التدقيق تبي ن أن الوثيقة ملف قة وأن الشاهدين أحدهما لم يكن مسلم ا حين كتابة الوثيقة والثاني لم يكن مولود ا ولذلك أبطلت الوثيقة وأجرى الخليفة الجزي ة عليهم كما كان يأخذها من سائر اليهود. وال يخفى أن الجزية في اإلسالم لغير المسلم سواء كانوا أهل كتاب أو غير أهل كتاب كما نراه في الفقه بأن غير أهل الكتاب أيض ا تؤخذ منهم الجزية والجزية هي في مقابل حماية الدولة لهم فالمسلم تؤخذ منه الزكاة والخمس وغير المسلم تؤخذ منه الجزية. ومن المالحظ في التاريخ اإلسلالمي الطويل وفي عرض اإلسلالم وطوله في البالد أن غير أهل الكتاب أيض ا كانوا يعايشون المسلمين على طول التاريخ وحت ى إن نهج البالغة تضمن بعض الرسائل الدال ة على أن بعض القرى التي جعل عليها اإلمام والي ا مسلم ا كانوا مشركين. وعلى أي حال: فالالزم مالحظة أصالة الوثيقة وخلو ها من األخطاء والتزوير والزيادة والنقيصة وصح ة نسبة الوثيقة إلى مؤل فها والنقد الداخلي السلبي عليها حيث يتبي ن الباحث من درجة دق ة الراوي في الرواية والنقد الداخلي اإليجابي حيث تفسير مضمون الوثيقة خصوص ا إذا كان كاتبها يلجأ إلى الغموض والرمز ومقارنة هذه الوثيقة بالوثائق األخرى هل بينهما تساو أو تباين أو عموم مطلق أو عموم من وجه. 42

39 التحليل الدقيق للتاريخ مسألة: يلزم على من يريد الوصول إلى فلسفة التاريخ أن يتأنى في قبول التفسيرات العصرية للنصوص القديمة وهكذا التفسيرات في العصور السابقة على الوثيقة أو التفسيرات في العصور الالحقة على الوثيقة ألن في كل زمان اصطالحات ومفاهيم خاصة به وأحيان ا تكون مستوعبة وأحيان ا تكون غير مستوعبة مم ا ذكره األصوليون في مباحث التعادل والتراجيح بالنسبة إلى الروايات المختلفة فإن مثل ذلك أيض ا 43 يأتي في مقام تحليل التاريخ وفلسفة القضايا الكل ية أو الجزئية الشخصية أو الزمنية أو المكانية أو غيرها. فالفرق بين االصطالحات في كل زمان ومكان وجماعة وأم ة يفيد المحل ل التاريخي كثير ا مثال الصالة قبل اإلسالم كانت بمعنى الدعاء كما قال سبحانه وتعالى: }و م ا ك ان ص ال ت ه م ع ن د ال ب ي ت إ ال م ك اء و ت ص د ي ة { ) أم ا الصالة بعد شيوع االصطالح اإلسالمي فهي خاص ة باألركان المخصوصة والشرائط واآلداب. وهكذا بالنسبة إلى الزكاة حيث كانت قبل اإلسلالم عبارة عن مقدار خاص من المال يسب ب تطهير المال بإعطائه الفقراء والمساكين والمشاريع وما أشبه ذلك. ثم بعد االصطالح اإلسالمي صارت الزكاة اصطالحا ا خاص ا للمقدار المخصوص من الحيوانات الخاص ة أو الذهب أو الفض ة أو الغال ت األربع وهكذا. سورة األنفال: اآلية 35.

40 فعلى محل ل الحدث التاريخي أن يقوم بمقارنة الظواهر االقتصادية واالجتماعية والسياسية واللغوية في مختلف المجتمعات واألنظمة والدول حيث لأللفاظ معان متعد دة بسبب اختالف األزمنة واألمكنة والمجتمعات وما أشبه ذلك. فال يصح االعتماد على التخي ل إال بعد توف ر الجوانب المختلفة والمناحي المتعد دة لهذه األمور. نعم كثير ا ما يسد التخي ل الثغرات الموجودة بين شيء وشيء سواء كان التخي ل بالنسبة إلى المبصرات أو المسموعات أو غير ذلك. وإذا كانت مرحلة التجريب والجمع والطرح والزيادة والنقيصة كفيلة بتمحيص الفرض فإن ه بالنسبة إلى التاريخ يجد المؤر خ الذي يريد التحرير نفسه في موقف مماثل لموقف عالم األحياء الذي يقوم بالتحليل والتشبيه والتركيب المعتمد على التخي ل والتصنيف وفق ا للفصائل والسلالالت وأوجه الشبه واالختالف. وهكذا يفعل الذين يكتشفون حيوانات قديمة مثل الديناصورات وما أشبه ذلك حيث يتم ون الجزء المكتشف وما يكمله حيوان ا حسب الموازين العلمية المرتبطة بذلك الحيوان. والحاصل: أن تحليل الحدث التاريخي يحتاج إلى مثل تلك األمور المرتبطة بالمكتشفات وما أشبه ذلك. وهذا يقوم على ركني العلم الكثير والتجارب الوفيرة والذهن الخال ق بالنسبة إلى الجمع والتفريق والتركيب وما أشبه. والبد للباحث أال يطمئن إلى صدق رواية ليس لها إال راو واحد غير مستجمع للشرائط خصوص ا إذا كان معروف ا بذلك فإن ذلك من أخبار اآلحاد على اصطلالح األصوليين إال إذا كان الراوي الواحد من الدق ة واإلتقان بمنزلة كبيرة كما ذكر مثل ذلك بالنسبة إلى نهج البالغة 44